الدين أفيون الشعوب .. هل هذه حقيقة ؟!
هل المقصود بالدين الاسلام .. أم المسيحية .. ام اليهودية .. أم أى دين أو ملة أخرى ؟!!
ربما تكون هذه الجملة لغزا لأن قائلها كارل ماركس لم يحدد لنا الاجابة القطعية وتركنا كل هذه السنين ندرس ونبحث حتى نعرف مدى صدق جملته من كذبها .. ومن المقصود بها ..
ولكن دعونا نقول .. أننا أمام ثلاث ديانات هى اليهودية والمسيحية والاسلام ..
فبالنسبة لليهودية فهى ديانة ( عدلية ) أى أنها عندما أنزلها الله على حقيقتها كانت تهدف إلى العدل وأحكامها دائما مرتبطة بفكرة العدل ..
وأما المسيحية فهى ديانة ( فضلية ) أى أنها فى حقيقتها عندما أنزلها الله كانت تهدف إلى التسامح والمحبة والفضل ..
أما الاسلام فقد جمع بن الاثنين فقد حقق العدل عندما قال الله تعالى ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) .. وحقق الفضل عندا قال الله تعالى ( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ) ..
نستنتج من ذلك أن الاسلام كدين يعطينا مساحة للتفكير والاختيار ..ولم يفرض علينا شيئا واحدا لا نستطيع العدول عنه .. وقد كنت أتمنى أن أتحدث تفصيلا عن .. هل الدين معطل للتقدم أم لا للديانات الثلاثة معا .. ولكن للاختصار سأقتصر على الاسلام ..
ونقول .. أن هذه الجملة بالطبع لا تنطبق على الاسلام وذلك لأسباب عديدة منها :
1- أن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود رضى الله عنهما .. هما المؤسسين لمدرسة أهل الرأى ( وهو إعمال العقل فى الأحكام ) فكان عمر بن الخطاب دائما ما يجتهد فى أمور الدين .. وكذلك إذا نظرنا إلى المذهب الحنفى فهو النموذج الفعلى لمدرسة أهل الرأى .. وللعلم أن الرأى ( أى العقل ) فى الفقه والأحكام الشرعية يكون فى المعاملات .. لأن الفقه الاسلامى قسمين .. العبادات ( وهى بين العبد وربه ) .. والمعاملات وهى بينه وبين الناس والله رقيب عليها .. فالدين الاسلامى فتح لنا نوافذ كثيرة نستخرج منها أحكامنا وهى مصادر التشريع .. وهى القرآن ثم السنة النبوية ثم الاجماع ثم القياس ثم الاجتهاد ..
وقد تسبب الاسلام فى تقدم البدو ساكنى الصحراء ورعاة الغنم ليكونوا بعد ذلك الدولة الاسلامية التى حكمت العالم ..
ودعونا نأخذ دليلا على ذلك ولنأخذ أمثلة مختلفة توضح لنا ذلك ..
* السياسة : نبذ الاسلام منذ اول يوم له الدكتاتورية ودعا إلى الشورى فقال تعالى ( وأمرهم شورى بينهم ) .. حتى الخلافة لم تكن بالتعيين ولكن كانت بالانتخاب ( الخلافة الراشدة طبعا ) .. وقد تجلى ذلك ى أول حزبين سياسيين فى الاسلام ( حزب المهاجرين وحزب الانصار ) .. وكذلك فإن وزارة الخارجية فى عهد رسول الله كانت أرقى ما يمكن .. فقد كان رسولنا الكرين يرسل السفراء للدول لدعوتهم للاسلام وكانت علاقته جيدة بحتى من لم يسلم كالمقوقس ملك مصر وكان مسيحيا .. وكانوا يتبادلون الهدايا هو ورسول الله ..
* الاقتصاد : وقد ناقش عدد كبير الأساتذة رسائل دكتوراه فى الاقتصاد الاسلامى .. ومصادر دخله وتأثيره على بناء دولة قوية .. وقد ثبت علميا أن الربا يؤدى دائما إلى خلل الميزان الحسابى ودورة المحاسبة بما يؤدى إلى عدم تحقيق العدالة فى توزيع الأرباح أو تحمل الخسائر .. وكان الاسلام هو أول من طبق اقتصاديا النظام المختلط الجامع ما بين الاشتراكية والرأسمالية .. الذى تسعى إليه حاليا جميع دول العالم ..
* الطب : وللاسلام ريادة كبيرة فى الطب ويظهر ذلك جليا فى علماء الطب من المسلمين الذين طوروا الطب فى العالم أجمع .. ولمن يريد أن يرى أول مرجع للطب الاسلامى فعليه بكتاب الطب النبوى فما فيه لا يسع المقام هنا ذكره .. وأفضل ما فى الطب الاسلامى هو اعتماد على العلاج الطبيعى أو بالأعشاب ..
وأذكر نادرة حدثت فى الثمانينات مع فضيلة الشيخ محمد متولى الشعرواى حيث اتهم الغرب وقتها الاسلام بالتخلف وأخذوا حجة على ذلك حديث رسولنا الكريم ( إذا ولغ الكلب فى إناء أحدكم فليغسله بالماء سبع مرات إحداهن بالتراب ) وطبعا قالوا أن هناك منظفات صناعية هى أفضل وأقوى وانظف من أى التراب .. فذهب لهم الشعراوى وأخذ معه ( كيس تراب من مصر ) وقاموا بتجربة على إنائين أحدهما بالطريقة الاسلامية والثانية بطريقتهم .. وكانت المفاجأة أن هناك نوع من الجراثيم لا يزول إلا بالتراب لأن التراب به مادة معينة هى الوحيدة القادرة على قتل هذه الجراثيم ..
الرياضة : وقد مارس رسولنا الكريم رياضة الجرى .. فروى أنه سابق أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها فسبقها مرة وسبقته مرة ..
وكذلك ما ورد عن عمر بن الخطاب ( علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل ) .. وكذلك فى الحديث الشريف ( المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف .. وفى كلاهما خير ) .
* البحث العلمى : لم يعطل الاسلام البحث العلمى على عكس أوروبا فى العصور الوسطى
وقد ورد فى الحديث الشريف ( اطلبوا العلم ولو فى الصين ) .. وقد قال الله تعالى ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) أى أن الذى يخشى الله من عباده هم العلماء .. لأن العالم يعرف الحقيقة ويختلف عن الجاهل الذى لا يعرف وربما أدى جهله إلى كفره ..
* الفن : ولم يمنع الاسلام الفن من حيث المبدأ ولكنه يعتمد الفن الهادف الذى يسمو بالانسان ويفيده .. وليس الذى يؤدى إلى انحدار الأخلاق أو عدم الجدوى .. فكانت الأناشيد تقال فى عهد رسول الله .. وكذلك الشعر ..
وفى الحقيقة إن أكبر معجز هى القرىن ونقول ذلك لأنها مستمرة إلى الأبد ونقول أنها للأبد لأن إعجازها لم يظهر مرة واحدة ولكن ينتهمى فكل يوم منذ نزول القرآن ونحن نكتشف فيه أشياء جديدة .. فنحن الآن مثلا وبعد هذه السنين نكتشف أن رقم ترتيب سورة الحديد وكذلك عدد آياتها هما العدد الذرى والعدد الكتلى للحديد كميائيا .. وحتى قوله تعالى ( وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس ) أيضا ثبت علميا أن الحديد لم يكن أصلا من مكونات الأرض ولكنه هبط لى الأرض منذ عهد غابر من أحد الكويكبات وكنا نقرأ قوله تعالى ( فلا أقسم بمواقع النجوم * وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ) فقد ثبت أيضا أن ما نراه فى السماء ليست هى النجوم الحقيقية ولكنه ضوؤها ما زال يسير فى الفضاء لأن المسافة بيننا وبين النجوم هى ملايين السنين الضوئية وهى قد تحركت بالفعل من مكانها .. وما نراه هذا هو الضوء ما زال يسبح فى طريقه ..
وفى الحقيقة إذا تكلمت عن هذه الأمثلة فهى لا حصر لها ولكن إلى من يقولون إن الدين أفيون الشعوب .. وأنه معطل عن التقدم .. فإنهم يقولون ذلك لأن الدين بالنسبة لهم معطل بل وحاجز يمنهعم عن ممارسة ما هو محرم وما هو ضار .. والاسلام ينادى بالحرية ولكن لا ينادى بالحرية التى تهدم المجتمع فقد ورد أن هند بنت عتبة حينما كانت النساء يسألن الرسول عن الزنا قالت : أو تزنى الحرة ؟ فقد استنكرت وجود غنسانة حرة تجعل نفسها وضيعة أسيرة للشهوات هكذا .. وأيضا قالت : الحرة لا تأكل من ثدييها ..
فهذه هى الحرية التى ننادى بها كمسلمون افعل ما تشاء وكما تشاء طالما أنه ليس فيه ضرر لك أو لغيرك .. حتى ضررالنفس محرم ..
ولكن إذا كان الدين أفيون الشعوب هى جملة يصدقها البعض فلينظر إلى من قالها وأين قيلت وما الظروف التى قيلت فيها .. فإنها بالفعل كانت فترة مظلمة جدا فى تاريخ اوروبا بسبب كهنتها وقساوستها .. وكذلك لا ننسى أن كلام كارل ماركس ليس بقرآن حتى يكون غير محل للجدال ..
وأنا أقول إذا كنت تريد الأفيون فابتعد عن الدين .. فبالطبع تستطيع بكل سهولة أن تحصل على الأفيون وتكون إنسانا معطلا لنفسك فتعطل مجتمعك .. وإذا كنت مسلم فأنت بعيد عن الأفيون حتى ولو كان تحت وسادتك ..
الدين حرية وتفتح وعلم ونشاط وعمل واجتهاد وعقل وحياة ودنيا وآخرة .