بسم الله الرحمن الرحيم
الْحَمْدُ لِلَّهِ, وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ*
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ * وبعد:
{ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ(2) } ( الأنبياء )
ïالأحبه في الله?
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
T اللهم انصر أخواننا المسلمين المضطهدين في كل مكان T
بحث في الحجر الأسود الإهداء * إلى الحبيب الأعظم ، درّة الوجود ، وأكرم عابد للمعبود ، خاتم المرسلين الكرام ، سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام . * إلى والديّ " ربّ ارحمهما كما ربياني صغيرا " . * إلى المؤمنين الصادقين ، الذين تهفو قلوبهم إلى بيت الله الحرام ، وكل الأحبة في الله ، الداعين بظهر الغيب لهم كل المحبة والسلام . المقدمة الحمد لله الذي رفع السماوات بغير عمد ، وجعل فوقها بيتا معمورا ، وبسط الأرض ، وجعل فيها بيتا مزورا ، وجعل ثواب المؤمنين جنّة وخص من حجه مبرورا . والصلاة والسلام على درّة الكونين ، من جعل الله ولادته بمكة في جوار بيته المحرم ، وأرسله للعالمين رحمة ونورا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، خير من سكب العبرات عند تقبيله الحجر الأسود وأرشد من أراد أن يذّكر أو أراد شكورا . صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين المُعَظِمين لبيت ربهم وحرمته ، الطائفين والعاكفين والركع السجود ، والعامرين بيوت الله التي تستمد النور من الكعبة المشرفة أول بيت وضع للناس ؛ ليوصلهم بربهم صلاة ودعاء وحضورا ، فاستمدوا منه حرمة ونورا ، منذ قال تعالى { ألست بربكم قالوا بلى } فحفظت شهاداتهم ، فهم يبايعون الله { يد الله فوق أيديهم } . فطوبى لمن حفظ بيعته وصدق بها واتخذ كتاب ربه وسنة نبيّه منهجا ودُستورا . وقد جمعت هذه الصفحات في فضائل وخصائص ومكارم وأحكام الحجر الأسود درّة بيت الله الحرام ، راجيا من الله القبول والتوفيق ، ومن المؤمنين وأخص الحجاج والعمار الدعاء والسلام . 1_ مكانة البيت الحرام قال تعالى { إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين * فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ، ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ، ومن كفر فإن الله غني عن العالمين }[سورة آل عمران الآية 96-97 ]. تشير هذه الآيات المباركة بوضوح إلى أول بيت وضع في الأرض لعبادة الله ، وإلى ما في هذا البيت من قدسية وحرمة ، وما فيه من دلائل وبراهين ، وآثار ، منها مقام إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ، وهو الأمن لأهل الأرض . وفي الآيات دعوة القادرين لحج هذا البيت وقصده وتعظيمه ، وخلاف ذلك هو الكفر ، كما ختمت الآيات { ومن كفر فإن الله غني عن العالمين } . قال صاحب الكشاف: فكأنه قال : إن أول متعبد للناس الكعبة . وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أي بيت وضع للناس أول ؟ قال : المسجد الحرام . قلت : ثم أي ؟ قال : المسجد الأقصى . قلت : كم كان بينهما ؟ قال : أربعون سنة . وذكر الزركشي في كتابه إعلام الساجد - باب في ذكر أسماء مكة : إن من أسمائها : البيت العتيق ، لأنه قديم البناء ، إذ كانت الملائكة تطوف به قبل خلق آدم . وإن من أسمائها البيت الحرام لتحريم القتال فيه ، مما يدل على حرمته ومكانته . وهو أول وأولى المساجد التي تشد إليها الرحال ، حيث ورد في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا تشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى ". رواه البخاري وهو قبلة المسلمين في صلواتهم الخمس والنوافل والدعاء ، والصلاة فيه ـ بعد الطواف ـ أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه . عن عبد الله بن الزبير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة في غيره من المساجد ، إلا المسجد الحرام ، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة " . قال الزركشي : وذكر جماعة أنه البيت المعمور الذي أقسم الله به ، حكي ذلك عن ابن عباس والحسن رضي الله عنهم ، معمور بمن يطوف به . قال تعالى { والطور وكتاب مسطور في رق منشور والبيت المعمور }[ الطور الآيات 1-4] . وعن محمد بن عباد بن جعفر أنه كان يستقبل الكعبة ، ويقول : واحد بيت ربي ، ما أحسنه ، وأجمله ؟ هذا والله البيت المعمور. وقال تعالى أيضا في بيان فضله :{ وإذ جعـلنــا البـيـت مثابة للناس وأمنا ، واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ، وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود } [ سورة البقرة الآية 125 ]. البيت : الكعبة ، والمثابة : المباءة والمرجع للحجاج والعمار ، يتفرقون عنه ثم يثوبون إليه ، والأمن هنا : مكان السلام . كلمة في سياق هذه الآية: تأتي هذه الآية بعد إعطاء إبراهيم منصب الإمامة ، وبعد إعطائه الوعد بأن يكون من ذريته أئمة ، فترينا هذه الآية مظهرا من مظاهر إمامة إبراهيم وواحدا من ذريته وترينا نموذجا من قيام إبراهيم وإسماعيل بما كلفا به وترينا كذلك أن البيت الذي سيكون قبلة للمسلمين ومحجا لهم إنما وجد بإرادة الله وتشريفية من الله وبأمره ، كما ترينا الحكمة من بناء البيت وترينا أنه في الأصل بني للطواف والعكوف والسجود . وقد فسر ابن عباس رضي الله عنهما كون هذا البيت مثابة بقوله : لا يقضون منه وطرا ، يأتونه ثم يرجعون إلى أهليهم ثم يعودون إليه ". وذلك شوقا إليه . وقال غيره : لا ينصرف عنه منصرف وهو يرى أنه قد قضى منه وطرا. فلا يشبعون منه وقال كثير من أئمة التفسير: أن المثابة : المجمع . وعلى هذا القول يكون المعنى ؛ أن الله عز وجل أراد أن يكون هذا البيت ملتقى الشعوب كلها ، والأجناس كلها ، يجتمعون فيه ، فيتعارفون وينتفعون ، قائمين بأمر الله ، عابدين له موحدين ، معظمين شعائره . وأما كون البيت أمنا فمن حيث أن من دخله كان آمنا . قال ابن عباس رضي الله عنهما : لو لم يحج الناس هذا البيت لأطبق الله السماء على الأرض .(الأساس في التفسير) والكعبة المشرفة ، هي القبلة التي رضيها الله تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بقوله : { قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها ، فولّ وجهك شطر المسجد الحرام ، وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره ... } [ البقرة ، الآية 144 ]. ويروى عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أنه كان يطوف بالكعبة المشرفة ، ويقول : " ما أعظمك وأعظم حرمتك ، ولكن المؤمن أعظم حرمة عند الله منك ". ومن حرمة هذا البيت بجميع أركانه تأتي حرمة ومكانة الحجر الأسود ، لأنه أحد أركانه الأربع ، وهو الركن عند الإطلاق حيث له علاقة بالطواف حول البيت الحرام ، الذي جاء في الخبر أنه أفضل الأعمال في البيت الحرام حيث ينزل الله تبارك وتعالى في كل يوم على هذا البيت مائة وعشرين رحمة ، ستين للطائفين ، وأربعين للمصلين ، وعشرين للناظرين. اللهم زد هذا البيت ومن زاره تشريفا وتعظيما ومهابة وقدرا ... آمين 2 _ تاريخ بناء البيت الحرام قال ابن كثير: وقد اختلف الناس في أول من بنى الكعبة ، فقيل الملائكة قبل آدم ... وقيل آدم عليه السلام .... وقيل شيث عليه السلام .... وغالب من يذكر هذا إنما يأخذه من كتب أهل الكتاب ، وهي مما لا يصدق ولا يكذب ، ولا يعتمد عليها بمجردها ، وأما إذا صح حديث في ذلك فعلى الرأس والعين . وعن ابن عباس رضي الله عنهما : هو أول بيت حج بعد الطوفان ، وقيل : هو أول بيت ظهر على وجه الماء عند خلق السماء والأرض ، خلقه قبل الأرض بألفي عام ، وكان زبدة بيضاء على الماء فدحيت الأرض تحته ، وقيل هو أول بيت بناه آدم عليه السلام في الأرض ، وقيل لما أهبط آدم قالت له الملائكة : طُفْ حول هذا البيت، فلقد طفنا قبلك بألفي عام . وروى الأزرقي عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم : أن الله تعالى بعث ملائكة ، فقال : ابنو لي في الأرض بيتا تمثال البيت المعمور وقدره . وأمر الله تعالى من في الأرض أن يطوفوا به كما يطوف أهل السماء بالبيت المعمور . قال : وهذا كان قبل خلق آدم عليه السلام . وأسند العمري إلى قتادة أنه قال : ذكر لنا أن البيت هبط مع آدم ، وحين أهبط قال الله تعالى : أهبط معك بيتي يطاف به كما يطاف حول عرشي . فطاف حوله آدم ومن كان بعده من المؤمنين ، حتى إذا كان زمن الطوفان ، رفعه الله وطهره من أن تصيبه عقوبة أهل الأرض ، فصار معمورا في السماء ، ثم إن إبراهيم عليه السلام تتبع منه أثرا بعد ذلك ، فبناه على أساس قديم كان قبله . بنيت الكعبة خلال الدهر كله أربع مرات بيقين ، ووقع الخلاف الشك فيما قبل هذه المرات الأربع 1- بناء إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام . ثبت ذلك بصريح الكتاب والسنة الصحيحة . 2- بناء قريش قبل الإسلام ، واشتراك النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة . 3- بناء عبد الله بن الزبير رضي الله عنه بعد احتراق البيت زمن يزيد بن معاوية . 4- بناء الحجاج بأمر عبد الملك بن مروان بعد مقتل ابن الزبير ونقض بنائه . 5- تتعلق بما قبل إبراهيم عليه السلام ، هل كانت الكعبة بنيت قبل ذلك أم لا ؟ 3 _ حل مشكلة الحجر الأسود ومهما اختلفت الروايات والأخبار حول عدد المرات ، وأول من بنى الكعبة المشرفة ، فإنه مما لا خلاف فيه بناء إبراهيم الخليل عليه السلام ، واشتراك الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه في البناء الأول ، قبل البعثة ، عندما بنتها قريش بعد تصدعها واحتراقها حسب بعض الروايات ، ومما لا خلاف فيه أيضا مشكلة وضع الحجر الأسود الذي كادت قريش أن تقتتل بسببه لتنال كل قبيلة شرف وضعه في مكانه حتى رضوا بحكم وحكمة الصادق الأمين عندما دخل عليهم . قال ابن إسحاق: ثم إن القبائل من قريش جمعت الحجارة لبنائها ، كل قبيلة تجمع على حدة ، ثم بنوها ، حتى بلغ البنيان الركن [ الحجر الأسود ] فاختصموا فيه ، كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الأخرى ، حتى تحاوروا ، وتحالفوا وأعدوا للقتال ، ... فمكثت قريش على ذلك أربع ليال أو خمسا ، ثم إنهم اجتمعوا في المسجد ، وتشاوروا وتناصفوا ، فزعم بعض أهل الرواية : أن أبا أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ( عم خالد بن الوليد ) وكان عامئذ أسن قريش كلها ، قال : يا معشر قريش اجعلوا بينكم ـ فيما تختلفون فيه ـ أول من يدخل من باب هذا المسجد يقضي بينكم فيه ، ففعلوا ، فكان أول داخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رأوه قالوا : هذا الأمين ، رضينا ، هذا محمد ، فلما انتهى إليهم أخبروه الخبر ، فقال صلى الله عليه وسلم : " هلم إلي ثوبا "، فأتي به فأخذ الركن ، فوضعه بيده ، ثم قال :" لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب " ثم ارفعوه جميعا ، ففعلوا حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه هو بيده ، ثم بنى عليه ، وكانت قريش تسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ قبل أن ينزل عليه الوحي : الأمين . وهكذا انتهت هذه المشكلة التي كثيرا ما يكون أمثالها سببا في انتشار حروب هائلة بين العرب لولا أن يمن الله بعاقل مثل أبي أمية يرشدهم إلى الخير ، وبحكيم مثل الرسول صلى الله عليه وسلم يقضي بينهم بما يرضي جميعهم ، ولا يستغرب من قريش تنافسهم هذا ، لأن البيت قبلة العرب وكعبتهم التي يحجون إليها ، فكل عمل فيه عظيم به الفخر والسيادة ، وهو أول بيت وضع للعبادة بشهادة القرآن الكريم . ويلاحظ من هذه الرواية الموثقة أنهم لم يختلفوا إلا على وضع الحجر الأسود خاصة من دون حجارة الكعبة المشرفة الأخرى ، مما يدل بوضوح على أهمية ومكانة وقدسية وخصوصية هذا الحجر الكريم . 4 _ موضع الحجر الأسود في البيت قال الإمام النووي: وهو في الركن الذي يلي باب البيت من جانب المشرق ويسمى الركن الأسود ويقال له وللركن اليماني ـ الركنان اليمانيان ـ ، وارتفاع الحجر الأسود من الأرض ثلاث أذرع إلا سبع أصابع " وتقدر بمقادير اليوم بـ 150سم تقريبا . وصفه :" والحجر الأسود حجر صقيل بيضي ، غير منتظم ، ولونه أسود يميل إلى الإحمرار ، وفيه نقط حمراء ، وتعاريج صفراء ". ووصف الرحالة ابن بطوطة - الحجر الأسود كما شاهده خلال رحلته إلى مكة فقال :" واما الحجر الأسود ، فارتفاعه عن الأرض ستة أشبار ، فالطويل من الناس يتطامن لتقبيله والصغير يتطاول إليه ، وهو ملصق بالركن الذي إلى جهة المشرق ، وسعته ثلثا شبر وطوله شبر وعقد ، ولا يعلم قدر ما دخل منه في الركن ، فيه أربع قطع ملصقة . وجوانب الحجر مشدودة بصفيحة من فضة ، يلوح بياضها على سواد الحجر الكريم ، فتجلى منه العيون حسنا باهرا . ولتقبيله لذة ينعم بها الفم ، ويود لاثمه ألا يفارق لثمه ، خاصة مودعة فيه وعناية ربانية به ، وكفى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إنه يمين الله في أرضه " ( نفعنا الله باستلامه ومصافحته وأوفد عليه كل شيق إليه ) وفي القطعة الصحيحة من الحجر الأسود مما يلي جانبه الموالي مستلمه ، نقطة بيضاء صغيرة مشرقة ، كأنها خال من تلك الصحيفة البهية ... " . 5 _ من أين أتى الحجر الأسود ؟ مصدره جاء في أخبار مكة
ويتبع البقية فى الرسالة التالية